انجلت غبار موقعتي كايب تاون ودربن بتأهل منتخبي هولندا وإسبانيا على التوالي إلى المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم المقامة حالياً في جنوب أفريقيا، حيث بات من المؤكد أن تتقدم قارة أوروبا على نظيرتها الأميركية الجنوبية برصيد 10 ألقاب مقابل 9 للأخيرة، علماً أن أفريقيا ستشهد تتويج منتخب أوروبي للمرة الأولى خارج أسوار القارة العجوز.
وعلى مدار الأسابيع الأربعة الماضية عاش الملايين من عشاق كرة القدم في العالم عرساً رياضياً كبيراً لا يتكرر سوى مرة واحدة كل أربع سنوات، وباتت الآن نقطة النهاية قريبة إذ يترقّب الجميع المباراة النهائية للبطولة والتي ستجمع هولندا مع إسبانيا، والأمل يحدو كلا الفريقين بالفوز واعتلاء منصات التتويج لرفع الكأس المرموقة.
هولندا تضرب موعداً مع المجد
وجاء عبور "الطاحونة" الهولندية للمباراة النهائية للمرة الأولى منذ 32 عاماً بعد فوزها الصعب على منتخب أوروغواي الجريح الذي عانى من غياب لاعبيه لويس سواريز وخورخي فوسيل بداعي الإيقاف إضافةً إلى جلوس دييغو لوغانو على دكة البدلاء لإصابته في حين خاض دييغو فورلان قائد "العملاق الأزرق" وهدافه اللقاء وهو يعاني من أوجاع عديدة.
بالطبع لا نقصد من كلامنا أعلاه التشكيك بقدرات أبناء المدرب بيرت فان مارفييك، فهولندا لم تخسر أي مباراة مذ حطت الرحال في بلاد مانديلا وهي شقت طريقها إلى "سوكر سيتي" بالفوز على الدنمارك (2-صفر) واليابان (1-صفر) والكاميرون (2-1) في الدور الأول ثم أسقطت سلوفاكيا (2-صفر) في الدور الثاني قبل أن تعود وتطحن منتخب السامبا (2-1) في ربع النهائي لتتابع زحفها نحو النهائي بفوزها الصعب على أوروغواي (3-2).
واستطاع لاعبو منتخب هولندا حتى الآن تسجيل عدة نقاط أبرزها ثأرهم من منتخب السيليساو بالإضافة إلى منافسة لاعب خط الوسط ويسلي شنايدر على لقب هداف كأس العالم عقب تمكنه من تسجيل خمسة أهداف لغاية الآن. ولعل أبرز ما يميز المنتخب البرتقالي في النسخة التاسعة عشرة من كأس العالم تخلّيه في مكان ما عن أسلوبه القديم الذي يُعرف بالكرة الشاملة حيث أصبح أكثر براغماتية مبتعداً تدريجياً عن اعتماد أسلوب "الكرة الجميلة والاستعراضية" ليحل مكانها النظام والانضباط ما أسفر عن وصولهم إلى النهائي.
وهذا هو الفوز السادس على التوالي للمنتخب الهولندي في البطولة وبات على بعد فوز واحد من اللقب الأول في تاريخه ومعادلة الرقم القياسي في عدد الانتصارات المتتالية في نسخة واحدة والمسجل باسم البرازيل عام 2002.
ولأن منتخب هولندا لم يكن مرشحاً منذ البداية أمام ارتفاع أسهم كل من إسبانيا والأرجنتين والبرازيل، ولأن رفاق جيوفاني فان برونكهورست وصلوا إلى النهائي و"حدث ما لم يكن في الحسبان" فإنه بإمكاننا القول أن هولندا أثبتت أنها الحصان الأسود للبطولة حيث تدرج مستوى وأداء الفريق إلى الأفضل وتحسن كثيراً من مباراة إلى أخرى.
وإذا كان منتخب هولندا قد فرض نفسه حصاناً أسوداً للبطولة فإن أوروغواي خرجت مرفوعة الرأس بعد مشوار مشرّف سينطبع في ذاكرة بلاد رفضت الهزيمة والاستسلام ومزقت الراية البيضاء وقاتلت بشجاعة حتى اللحظات الأخيرة قبل أن تلفظ المباراة أنفاسها.
ولعل أبرز ما قيل عن رحلة أوروغواي في المونديال جاء على لسان مدربها أوسكار تاباريز الذي قال قبيل انطلاق مباراة نصف النهائي أن "أوروغواي وُجدت في حفلة لم تدعى إليها أصلاً ونحن لا ننوي المغادرة من الباب الضيق".
هذا وستدخل هولندا إلى المباراة النهائية وعينها على اللقب فهي لم تضرب موعداً في النهائي مع إسبانيا إنما مع المجد والتاريخ حيث يحلم لاعبوها بالعودة إلى شوارع أمستردام وهم يرتدون المجد ثوباً والعز وشاحاً. وكان بيرت فان مارفييك أبرز من عبّر عن هذه الفكرة عندما حث لاعبيه على المحافظة على تركيزهم بغض النظر عن هوية المنافس وذلك في حال أرادوا أن يدوّنوا أسماءهم في السجلات الذهبية للكرة الهولندية.
والملفت للنظر أن هولندا حسمت مباراتيها الماضيتين أمام البرازيل وأوروغواي في الشوط الثاني، ففي مباراتها أمام البرازيل استطاعت قلب تخلفها في الشوط الأول إلى فوز مستحق بتسجيلها هدفي العبور في الدقيقتين 52 و68، وفي مباراتها أمام أوروغواي توجب على الهولنديين الانتظار لغاية الدقيقتين 70 و72 لتوسيع الفارق والابتعاد بنتيجة 3-1 قبل أن يعود ماكسيمليانو بيريرا ويسجل هدف تقليص الفارق (3-2) في الدقيقة (90+2) الذي جاء متأخراً بعض الشيء ولم يكن له أي أثر يذكر على سير المباراة.
ومن المؤكد أن على هولندا وفي حال أرادت المضي قدماً للفوز باللقب تجنب الوقوع في "مطبات الفراغ" خلال مباراتها القادمة حيث كان مستوى تركيز لاعبيها في بعض المباريات السابقة ينخفض بسرعة كبيرة ليصل إلى مستويات متدنية يفقد إبانها أعضاء الفريق السيطرة على مجريات اللقاء مما يهدد فرص فوزهم وبالتالي حسم النتيجة النهائية لصالحهم.
ويمكن القول إن معركة السيطرة على خط الوسط في المباراة النهائية ستحدد بشكل كبير هوية الفائز وهو ما سيولّد مواجهات طاحنة بين كل من ويسلي شنايدر ومارك فان بومل وأريين روبن من ناحية ومايسترو خط وسط "لاروخا" تشابي هيرنانديز وصاحب المهارات الفنية العالية أندريس إنيستا بالإضافة إلى هداف المنتخب دافيد فيا من ناحية أخرى.
الأرمادا تعطل الماكينات الألمانية
وبعد مشوار حافل وصل "الأرمادا" إلى محطته الأخيرة حاصداً في طريقه آمال منتخبات كبيرة توقع لها معظم المتابعين والمحللين فرصاً أفضل من التي حققتها، فكم صُفق للبرتغال التي أذهلت المراقبين بأداء نجومها لاسيما المتألق كريستيانو رونالدو لكنها ما لبثت أن خرجت على يد إسبانيا، كما أن البعض راهن على فوز ألمانيا باللقب عندما شاهد عروضها القوية أمام أستراليا وإنكلترا والأرجنتين، ولكن جميع هذه الآمال تحطمت أمام عزم وصلابة الماتادور الإسباني.
وكان لاروخا وبفضل خبرة ودهاء مدربه فيسينتي ديل بوسكي قد حسم مباراته أمام ألمانيا (1-صفر) قبل انطلاقها كونه قام باستبدال المهاجم فرناندو توريس بلاعب خط وسط سريع ونشيط هو بيدرو معززاً بذلك خط الوسط ومعتمداً على هدافه دافيد فيا كرأس حربة الأمر الذي ساهم بشكل كبير بفرض الأسبان سيطرتهم على وسط الميدان وبالتالي الاستحواذ على الكرة ما أدى إلى إنهاك الماكينات الألمانية وتعطيلها كلياً.
وبالفعل لم يكن منتخب ألمانيا نفس الفريق الذي هزم أستراليا وإنكلترا والأرجنتين وبدا الإرهاق والتعب جلياً على أداء لاعبيه الذين تميزوا بتحركاتهم البطيئة وانتشارهم السيئ فيما خلّف غياب مولر الموقوف ثغرة كبيرة على الصعيد الفني حيث لم يكن بديله بيوتر تروخوفسكي موفقاً.
وتركز اللعب في وسط الملعب معظم فترات المباراة، مع استحواذ ملحوظ للكرة لمصلحة إسبانيا، لكن من دون خطورة كبيرة، فتفوق لاعبو الوسط الإسباني على نظرائهم الألمانيين ولم يستعجلوا تسجيل الهدف، فحافظوا على هدوئهم التكتيكي وتفوقهم التقني، وأنجزوا المطلوب منهم، فيما لم يستطع الألمان أن يجاروهم وبقوا بعيدين عن تقديم الأداء الذي يبتغونه، فغابت سرعتهم وفُقد التواصل بين وسط الدفاع والخط الهجومي للفريق، فكان ميروسلاف كلوزه غائباً معظم أوقات المباراة، فيما تمكن الأسبان من قطع أغلب التمريرات التي حاول الألمان أن يوصلوها إلى مسعود أوزيل أو لوكاس بودولسكي.
ويمكن القول أن كتيبة ديل بوسكي استطاعت الانتفاض في وجه المانشافت ذلك أن أدائها لم يكن مقنعاً إلى حد ما في معظم مبارياتها السابقة، فيما فشلت ألمانيا في الثأر من إسبانيا بعد خسارتها أمامها في نهائي أمم أوروبا 2008 (صفر-1).
بطلة أوروبا استحقت ومن خلال جيلها الذهبي الوصول إلى النهائي فيما يمكن لألمانيا أن تحزم حقائب العودة وهي تتطلع إلى المستقبل كونها اكتشفت في جنوب أفريقيا مواهب وقدرات يزخر بها منتخبها الشاب.
أما يوم الأحد المقبل فسنعرف هوية البطل بعد اللقاء الذي سيجمع بين هولندا وإسبانيا إثر رحلة شاقة في أفريقيا أثبت خلالها نجوم المنتخبين قدرتهما على تخطي جميع المراحل حتى الوصول إلى النهائي، فكانت هولندا على موعد مع نصف نهائي مثير أمام عناد أوروغواي ولكن الهولنديون نجحوا في تخطي هذه العقبة بنتيجة 3-2، في حين كانت إسبانيا تتألق في لقائها مع ألمانيا لتنطلق نحو النهائي برأسية من كارليس بويول قهرت آمال عشاق المانشافت.